هداية القلوب بيد الله تعالى، وهي بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء، بل هي أشد تقلبا من القدر حينما تشتد غلياناً.
ولهذا شرع للمسلم أن يدعو الله في كل ركعة من صلاته أن يهديه صراطه المستقيم، حتى يوفقه الله إليه ويثبته عليه، وألا يزيغ قلبه بعد إذ هداه.
وكان الأنبياء والمرسلون يسألون الله الثبات ويستعيذون من الفتن. قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام. رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} وقال يوسف عليه السلام: {توفني مسلماً وألحقني بالصالحين} وكان من دعاء الأبرار كما في أوائل سورة آل عمران {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لندك رحمة إنك أنت الوهاب} وفي آخرها دعاؤهم {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 191 – 194] فيسألون الله أن يتوفاهم مسلمين مؤمنين مع الأبرار، لا الفجار الكفار.
وكان النبي ﷺ يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، وأكثر ما كان النبي ﷺ يحلف: ومقلب القلوب. وكان يقوم الليل، فيفتتح صلاته بقوله «اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم». إلى غير ذلك مما ثبت في السنة.
أما من ظن أن من أحكم الذكاء وابتعد عن الغباء فالهداية تحل في قلبه لا محالة، فهذا من أعظم الغلط. يقول شيخ الإسلام رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل (9/ 34): “وقد يكون الرجل من أذكياء الناس وأحدهم نظراً ويعميه عن أظهر الأشياء، وقد يكون من أبلد الناس وأضعفهم نظراً ويهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، فلا حول ولا قوة إلا به. فمن اتكل على نظره واستدلاله، أو عقله ومعرفته، خذل.”
المقطع من قناة اليوتيوب:
https://youtube.com/shorts/w3GrwZDpa78?si=6itZ5pXEOLCnE4Cd