تأملها
أمر الله تعالى رسوله ﷺ أن يعلم الناس أنه بشر شأنه شأن البشر، {قل إنما أنا بشر} وكما قال {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك}
والنبي ﷺ يؤصل هذا الأمر في المسلمين لئلا يغلوا فيه كما غلت النصارى في عيسى ابن مريم عليه السلام، حيث قال تعالى {يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم..} قال النبي ﷺ: لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم .. إنما أنا عبد.. وقال ﷺ حينما قالوا له أنت سيدنا وابن سيدنا: قال قولوا بقولكم ولا يستجرينكم الشيطان، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله. ولما قال له رجل إنا نستشفع بالله عليك وبك على الله غضب واحمر وجهه وقال: ويحك أتدري ما الله؟ إنه لا يستشفع بالله على أحد! رواه أبو داود وضعفه الألباني.
كل هذا لأجل أن يسد باب الغلو فيه!! وقد جرى على هذه الطريقة التربوية أئمة الإسلام، كما في صحيح البخاري عن ابن الحنفية حينما سأله عن أفضل الصحابة فقال أبو بكر ثم عمر ثم لما قال له ثم أنت؟ قال: إنما أنا رجل من المسلمين!! أين غلاة الطاعة المتصوفة -فضلا عن أدعياء التشيع- ليتعلموا من آل بيت النبي ﷺ، بل ناقضوهم وصفاءهم إلى طريقة منفرة أخذوها حذو القذة بالقذة من النصارى.
ولا تكاد تجد إماما من أئمة المسلمين إلا والمنقول عنه في النهي عن التعصب له شيء كثير؛ ومع ذلك سيوجد من يفتتح باب التعصب، بالتمذهب والتقليد المذمومَين، لهؤلاء الأئمة مع نهيهم الشديد عن ذلك.
واليوم يأتيك من هو أدنى بمراحل، يرى بأم عينه مظاهر الغلو فيه ثم لا يحرك ساكنا، بل يلمح إلى إعجابه بذلك وإقراره، كما يقال عن إمام المتكلمين الفخر بن الخطيب الرازي أنه كان يقرر لتلامذته في وصفه بأنه “الإمام المجتبى أستاذ الدنيا أفضل العالم فخر بني آدم حجة الله على الخلق صدر صدور العرب والعجم.” نقله الحافظ عن ابن الطباخ، كما في لسان الميزان (6/ 321).