كل متكلم حتى يُقبَل كلامه يجب أن ينتفي عنه الجهل، ويُعلَم صدقه وأمانته وعلمه وغير ذلك، وتتلخص الصفات بشرطين: العدالة والضبط، نص عليهما أهل الحديث في صفات الرواة، والقاعدة فيهم هي القاعدة في كل متكلم.
وقد كتب في سيرة الشيخ رحمه الله عدد من المترجمين، كما تناولت كتب التاريخ ما جرى له في حياته ولأتباعه بعد مماته؛ ومن ذلك تاريخ ابن غنام وتاريخ ابن بشر.
وربما كانت الحاجة في هذا العصر الحديث لمعرفة سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أكثر أهمية من غيرها لأسباب، منها:
أن كل متبع للسلف، معظم للحديث وأهله والعقيدة السلفية فإنه ينبز بأنه “وهابي” ويعنون بذلك تشدده المخالف لسماحة الإسلام، بله تكفيره لجميع المسلمين سوى طائفته، فهذا التشويه الذي أصاب شخصية الشيخ محمد رحمه الله يراد به الطعن في مذهب أهل السنة ومن ينتسب إليه،
ثانيا: الشيخ رحمه الله عودي عداءً قَلّ نظيره، وهذه سنة الله فيمن يصدع بالحق، كما قال ورقة ابن نوفل رضي الله عنه للنبي ﷺ: “ما جاء أحد بمثل ما جئتَ به إلا عودي.” لهذا كذبوا على الرسول ﷺ كما كذبوا على الرسل من قبله، قال تعالى {ولقد كُذبتْ رسل من قبلك فصبروا على ما كّذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا} فالرسول ﷺ أصابه من الأذى ما أصاب مَن قبله، وكذلك يُصنع بأتباعه.
فالذب عنه مشروع، خاصة لمن شاهد فضله عليه بتعليم، كما في حديث البخاري عن أنس عن النبي ﷺ: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما». وفي معناه عدة أحاديث منها حديث: ما من امرئ يخذل امرءًا مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله اللَّه تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره اللَّه في موطن يحب فيه نصرته. حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع 5690.
وخير شاهد ودليل على علمه وحسن قصده هو ما خلّف من المؤلفات في بيان عقيدة أهل السنة، وتوضيح التوحيد بأوضح عبارة وأبينها وأخصرها؛ فكل من أراد الحكم عليه -مدحا أو ذما- يجب عليه النظر في كلامه، هل يوافق الحق فيه أو لا؟ وهل أتى بقواعد فلسفية من عنده أو جاء بقال الله وقال الرسول؟
فرسائل الشيخ رحمه الله ومؤلفاته، اتصفت بالوضوح في العبارة، والصحة في الدليل والمدلول؛ فكان يورد كلامه الواضح الصريح السهل مدعوما بنصوص الكتاب والسنة، وهذا من تمام نصحه، لم يدخل رأيه وقوله ليدين الناسُ به، إنما كان هاديا مرشدا إلى نبع الهدى ومورده: الكتاب والسنة.