الجمال من صفات الله، والتجمل خُلُق محبوب

عن حُمَيد بن عبد الرحمن، قال قال ابن مسعود: كنت لا أحجب عن النجوى، ولا عن كذا، ولا عن كذا، قال ابن عون: فنسي واحدة، ونسيت أنا واحدة، قال: فأتيته وعنده مالك بن مرارة الرهاوي، فأدركت من آخر حديثه، وهو يقول: يا رسول الله، قد قسم لي من الجمال ما ترى، فما أحب أن أحدا من الناس فضلني بشراكين فما فوقهما، أفليس ذلك هو البغي؟، قال: ” لا، ليس ذلك بالبغي، ولكن البغي من بطر – قال: أو قال: سفه – الحق، وغمط الناس “.[1]

وأصله في صحيح مسلم وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق، وغمط الناس».

[ تفسير غريب الحديث ]

قال الألباني رحمه الله:

“(سفه الحق) أي جهله، والاستخفاف به، وأن لا يراه على ما هو عليه من الرجحان والرزانة. وفي حديث لمسلم: ” بطر الحق “. والمعنى واحد.

(غمص الناس) أي احتقارهم والطعن فيهم والاستخفاف بهم. وفي الحديث الآخر: ” غمط الناس ” والمعنى واحد أيضا.”[2]

[فوائد الحديث]

  1. فيه الترغيب في التجمل والتزين واللباس الحسن ونحو ذلك، لكن يجب تجنب الإسراف والمخيلة والتكلف ومجاوزة الحد والتزين بما هو معصية، كحلق اللحية أو نتف الحاجب أو التبرج أو التعري أو إسبال الثياب أو لباس الشهرة ونحو ذلك.
  2. وفيه إثبات صفة الجمال لله تعالى. يقول ابن القيم رحمه الله: وَمن أَسْمَائِهِ الْحسنى الْجَمِيل وَفِي الصَّحِيح عَنهُ “إِن الله جميل يحب الْجمال” وجماله سُبْحَانَهُ على أَربع مَرَاتِب: جمال الذَّات وجمال الصِّفَات وجمال الْأَفْعَال وجمال الْأَسْمَاء؛ فأسماؤه كلهَا حسنى وَصِفَاته كلهَا صِفَات كَمَال وأفعاله كلهَا حِكْمَة ومصلحة وَعدل وَرَحْمَة وَأما جمال الذَّات وَمَا هُوَ عَلَيْهِ فَأمر لَا يُدْرِكهُ سواهُ وَلَا يُعلمهُ غَيره وَلَيْسَ عِنْد المخلوقين مِنْهُ إِلَّا تعريفات تعرّف بهَا إِلَى من أكْرمه من عباده.[3]
  3. فيه أنه لا حرج من محبة الجمال، بل الله يحبه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “قد أدرج فيه حسن الثياب التي هي المسئول عنها فعلم أن الله يحب الجميل من الناس ويدخل في عمومه بطريق الفحوى الجميل من كل شيء.”[4]
  4. وفيه قبح من تزين بالمعصية وأن الله لا يحبه، خلافا لأهل الشهوات، وأهل الشبهات من الصوفية الذين يزعمون محبة الله لكل ما خلق، وضل هؤلاء بعدم التفريق بين الإرادة الشرعية المحبوبة لله تعالى والإرادة الكونية القدرية التي قد يحبها وقد لا يحبها. وشرح هذا له موضع آخر. ومن أراد التوسع فليرجع إلى كتاب الاستقامة لشيخ الإسلام.

[1] حديث حسن، وله شواهد، ذكرها الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/ 166). رواه بهذا اللفظ: أحمد (6/ 154) 3644 – حدثنا إسماعيل، عن ابن عون، عن عمرو بن سعيد عن حميد بن عبد الرحمن الحميري البصري به. وسماعه محتمل، ولهذا صححه الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام (ص. 90). ولحميد هذا متابع أو أكثر، فقد روى نحوه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 221) والحاكم في المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 78) وابن بشران في أماليه – الجزء الأول (ص. 72) برقم 125 وإبراهيم الحربي في غريب الحديث  (3/ 1219) من طرق عن: عبد العزيز بن مسلم، عن الأعمش، عن حبيب بن ثابت، عن أبي يحيى بن جعدة، عن عبد الله بن مسعود. وهذا إسناد حسن إن شاء الله، بعض الرواة صدوق يهم. وفيه: .. قال رجل: يا رسول الله، إنه ليعجبني أن يكون ثوبي غسيلا، ورأسي دهينا، وشراك نعلي جديدا، وذكر أشياء حتى ذكر علاقة السوط، أفمن الكبر ذاك يا رسول الله؟ قال: «لا، ذاك الجمال، إن الله عز وجل جميل يحب الجمال، ولكن الكبر من سفه الحق وازدرى الناس»

وتقدم أن أصله رواه مسلم في صحيحه (1/ 93) برقم 91، بسنده من طريق إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم.. وفيه قول الرجل:  إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة.

وللحديث شاهد رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 259) بلفظ:  قيل: يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه فما الكبر؟ – قال -: أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: لا. قال: هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: لا. قيل: يا رسول الله فما الكبر؟ قال: سفه الحق وغمص الناس “.

[2]  سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 260).

[3] الفوائد لابن القيم (ص: 182).

[4] مجموع الفتاوى (22/ 124).