لكلمة الإخلاص شروط، وضعها أهل العلم تقريبا للمتعلم لمعرفة التوحيد، وقد صنعوا مثل هذا في شتى أبواب العلم، يضعون الشروط والضوابط والقواعد والحدود والمبطلات ونحو ذلك حتى يقرب الفهم، ويضبط مسائل العلم؛ فيأتي طالب العلم بحماسه، وقد مَنَّ الله عليه بتعلم مسائل العلم، فيحاكم عامة الناس وجهلتهم إلى الألفاظ التي تعلمها لا إلى معانيها، فيجب عليه التنبه لذلك، وأن يرفق بهم، وأن يكون كالوالد يعلم الناس الخير، كما قال ﷺ إنما لكم كالوالد أعلمكم.. فيتصف بالحلم والعلم والرحمة والرفق وتخير أحسن الألفاظ وأحسن الأحوال وأيسرها على الناس.
أما شروط لا إله إلا الله، فعوام المسلمين قد يعرفون معانيها لكنهم يعجزون عن التعبير عنها، فضلا عن سردها على ألفاظ أهل العلم! هذه من المسائل التي يجب على طالب العلم أن يتفطن لها، لئلا يقع في الجور في حكمه على الناس.
يقول ابن القيم رحمه الله:
“فما كل من وجد شيئا وعلمه وتيقنه أحسن أن يستدل عليه، ويقرره، ويدفع الشبه القادحة فيه.. وقد لا يمكن صاحبه التعبير عنه عجزا وعِيّا، وإن عَبّر عنه فقد لا يمكنه التعبير عنه باصطلاح أهل العلم وألفاظهم.. وبالجملة: فما كل من علم شيئا أمكنه أن يستدل عليه، ولا كل من أمكنه الاستدلال عليه يحسن ترتيب الدليل وتقريره، والجواب عن المعارض.” انتهى باختصار.[1]
وسئل الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: إذا لم يأت بشروط لا إله إلا الله السبعة؟ فأجاب رحمه الله: إذا كان يؤمن بمعناها ولو ما عرف الشروط، إذا كان يعرف معناها وأن لا معبود إلا الله ولو ما عرف الشروط، فالعامي قد لا يعرف الشروط، المهم أن يؤمن بالله وحده وأنه المعبود بحق وما سواه باطل.[2]
فالواجب التعليم الذي يصل إلى قلوب الناس، ولا يشترط حفظهم مسائل العلم كما يحفظ من له عناية من طلبة العلم.
ولتعميم الفائدة:
ما هي شروط كلمة التوحيد لا إله إلا الله؟
” كلمة التوحيد لا إله إلا الله أولاً لا بد أن نعرف ما معناها؟ معناها: لا معبود حقٌ إلا الله، هذا معناها، فكل ما عبد من دون الله من ملكٍ ونبيٍ ووليٍ وشجرٍ وحجر وشمسٍ وقمر فهو باطل؛ لقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) . هذا معنى هذه الكلمة العظيمة، وهي مبنية على ركنين: نفي وإثبات، نفي الألوهية عما سوى الله، وإثباتها لله، وبهذا يتحقق التوحيد، أي: باجتماع النفي والإثبات يتحقق التوحيد، ووجه ذلك أن النفي المحض الذي لا يقترن بإثبات نفيٌ محض فهو عدم وأن الإثبات المحض الذي لا يقترن بالنفي إثباتٌ لا يمنع المشاركة، فلا يتحقق التوحيد إلا بإثبات ونفي: نفي الحكم عما سوى من أثبت له، وإثباته لمن أثبت له، وهذان الركنان هما الأصل. أما شروطها: فلا بد أن تكون صادرةً عن يقين وعلم، يقين لا شك معه، وعلمٍ لا جهل معه، ولا بد لها من شروطٍ لاستمرارها: كالعمل بمقتضاها حسب ما تقتضيه الشريعة، وأما مجرد القول باللسان بدون اعتقادٍ وإيقان فإن ذلك لا ينفع، فنشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.”[3]
[1] مدارج السالكين (4/ 501).
[2] شرح كشف الشبهات للشيخ ابن باز (ص. 106).
[3] فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن عثيمين (4/ 2).