سماحة المفتي نسي السماحة؟!

يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله لو سعرت، فقال: ” إن الله هو الخالق القابض، الباسط الرازق، المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال ” رواه أحمد في المسند (20/ 46) وأبو داود وصححه الألباني، وله شاهد عن أبي هريرة نحوه.

تأمل قول الرسول ﷺ: “وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال.” وأين هذا من المتصدرين للفتيا اليوم، كيف يهون عليهم الإفتاء بمثل هذه المسائل المدلهمة في الدماء والخروج؟!

وتأمل ما قاله الإمام أحمد رحمه الله في مسائل هي أهون بمراحل من مسائل الدماء، قال:

وددت أنه لا يسألني أحد عن مسألة، أو ما شيء أشد عَلَيَّ من أن أُسأَل عن هذه المسائل؛ البلاء يخرجه الرجلُ عن عنقه ويُقلدَّك، وخاصةً مسائلُ الطلاقِ والفروجِ، نسأل الله العافية.[1]

تأمل ورع إمام أهل السنة والجماعة في مسائل -هي اليوم!- لكثير من المتصدرين للفتيا كشربة ماء! بل تجدهم يُفتون في مسائل تَعُمّ بها البلوى ويحصل بها من الفساد ما الله به عليم، من نحو مسائل الدماء والأحكام، والسياسة والخروج سواء بالسيف أو اللسان -كالإنكار العلني الفوضوي-، ونقض العهود والمواثيق والشروط، باسم المصالح والمفاسد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كصنيع الخوارج من قبلُ! هذا مع علمهم ما لحرمة الجماعة والإبقاء على صف المسلمين من الحق العظيم!

والسبب في هذه الجراءة: الهوى، وعدم التورع عن الإفساد، نسأل الله العافية! وكثير منهم، تأخذه أنفة أن يصمه الناس بالجهل، ويراه عاراً وشناراً عليه، إن أحجم عن الفتيا فيها ولم يستجب لإلحاح الهمج الرعاع الذين يثيرون هذه المسائل.

فما ضرك أن يصفك أهل الأرض كلهم بالجهل إذا كنت عند الله عالما تقيا خفيفا من دماء المسلمين وأعراضهم؟!


[1] الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 62).