فائدة: لماذا ذكر الله تعالى إهلاك قوم شعيب في ثلاثة مواطن مختلفة؟

أهلك الله تعالى من كذّب الرسل، صلوات الله وسلامه عليهم، فأما قوم نوح فأغرقهم، وأما عاد فأرسل عليهم ريحا صرصرا عاتية، وأما ثمود فأهلكوا بالطاغية، وأما قوم لوط بأخذتهم الصيحة. وذكر الله تعالى عنهم ما قص لنا في كتابه. وذكر إهلاك قوم شعيب في ثلاثة مواطن مختلفة، فما وجه ذلك؟ وما السر فيه؟

قال ابن كثير رحمه الله:

وقد ذكر الله تعالى صفة إهلاكهم في ثلاثة مواطن كل موطن بصفة تناسب ذلك السياق، ففي الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين؛ وذلك لأنهم قالوا: {لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا} [الأعراف:88]، فأرجفوا بنبي الله ومن اتبعه، فأخذتهم الرجفة. وفي سورة هود قال: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} [هود:94]؛ وذلك لأنهم استهزؤوا بنبي الله في قولهم: {أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد} [هود:87] . قالوا ذلك على سبيل التهكم والازدراء، فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم، فقال: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} وهاهنا قالوا: {فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين} على وجه التعنت والعناد، فناسب أن يحق عليهم ما استبعدوا وقوعه.[1]

فهذه ثلاثة أنواع من تكذيب قوم شعيب لنبيهم عليه السلام:

الأول: الإرجاف بالمؤمنين، وتخذيلهم.

الثاني: الاستهزاء بالدين والمرسلين وأهل الحق المبين.

الثالث: التعنت والعناد والاستكبار.

وقد لقي النبي ﷺ من هذه الثلاثة أنواع ما قص الله تعالى علينا؛

فمن الأول قوله تعالى {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ } [التوبة: 47]، وقوله {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [المنافقون: 8].

ومن الثاني: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66].

ومن الثالث قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: 90 – 93]

والآيات في هذا كثيرة، والمقصود التنبيه على جنس كفر من كفر، واجتنابه.

ولا ينبغي أن يثني المحق الصابر على السنة عن المضي في دعوة الناس إلى ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم، كما في الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك».


[1] تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 161).