“الشيطان يريد من الإنسان الإسراف في أموره كلها؛فإنه إن رآه مائلا إلى الرحمة: زين له الرحمة حتى لا يبغض ما أبغضه الله، ولا يغار لما يغار الله منه،وإن رآه مائلا إلى الشدة: زين له الشدة في غير ذات الله، حتى يترك من الإحسان والبر واللين والصلة والرحمة ما يأمر به الله ورسوله، ويتعدى في الشدة فيزيد في الذم والبغض والعقاب على ما يحبه الله ورسوله. فهذا يترك ما أمر الله به من الرحمة والإحسان وهو مذموم مذنب في ذلك ويسرف فيما أمر الله به ورسوله من الشدة حتى يتعدى الحدود وهو من إسرافه في أمره. فالأول مذنب والثاني مسرف {إنه لا يحب المسرفين} فليقولا جميعا: {ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} . وقوله تعالى {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} فالمؤمن بالله واليوم الآخر يفعل ما يحبه الله ورسوله وينهى عما يبغضه الله ورسوله ومن لم يؤمن بالله واليوم الآخر فإنه يتبع هواه فتارة تغلب عليه الرأفة هوى وتارة تغلب عليه الشدة هوى فيتبع ما يهواه في الجانبين بغير هدى من الله {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله}.”
مجموع فتاوى ابن تيمية (15/ 292): “فصل في معانٍ مستنبطة من سورة النور”، وتكلم فيه بكلام قل أن تجد نظيره، إن وجدتَ، ولا إخالك.