بعثهم لأمر عظيم، قال تعالى { وما أرسلنا من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } وقال { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } لم تكن غاية رسالة الرسل: إثبات وجود الله وقدرته وهيمنته على الخلق وإبداعه للمخلوقات أو غيرها من معاني الربوبية وإن كانت دخلت في دعوتهم ضِمناً، ولكن الأصل الأصيل أن الله بعثهم ليدعوا الناس لإخلاص العبادة لله تعالى، كما قال تعالى {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ } يعني كما قال ابن جرير الطبري (21/ 443) “جاءتهم الرسل بأن لا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له.”.
أما استفراغ البحوث المضنية لإثبات الربوبية، فلا يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وإنما غايته إثبات وجوده الخالق وربوبيته، وهذا أمر تقر به عامة الأمم، إلا شذاذُ ذاك الزمن، وفساقُ هذا، ممن حجتهم أوهن من بيت العنكبوت! وعامة المتكلمين من الأشاعرة والماتوريدية يجعلون غاية التوحيد “إثبات الصانع”، ولهذا تجد فيهم انحراف في توحيد الألوهية، فيقعون في شر مما أفنوا أعمارهم في ثبوته، كما ترى من وقوع كثير منهم في الغلو في المقبورين، والاستغاثة بهم، والاستشفاع بهم، مع ما أوتوا من العلوم، ولكنهم لم يُؤتَوا الفهوم!