مآل البدعة

كيف يهدأ بال صاحب السنة وهو يعلم أن مآل البدعة إلى الكفر والإلحاد والزندقة! كيف يهدأ له بال وهو يرى عوام المسلمين تسوقهم “رؤوس الشياطين” إلى سبل البدع والضلالات باسم الدين والخير والتقرب إلى الله؟ وكل هذا دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وكلام السلف، مع ما هو واقع مشاهد، لا يمكن جحده!

قال تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} وهؤلاء من هذه الأمة يستدل بكلام الرب الرحمن على بدعته وضلاله! ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: قد سماهم الله عز وجل، فإذا رأيتموهم فاحذروهم.[1]

وقال تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}، قال فيها صلى الله عليه وسلم عن السبل المخالفة لصراط الله المستقيم: “وَهَذِه السبل لَيْسَ مِنْهَا سَبِيل إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَان يَدْعُو إِلَيْهِ.”[2]

فيجب أن تتفكر وتسأل نفسك: هل أنا على صراط الله المستقيم الذي كان عليه أصحاب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟ أم أنا على سبيل خاص بالإمام؟ وأنت لا تدري ولم تشعر أنه إمام يدعو إلى سبيله هو وقوله ومذهبه وعقيدته!

والمقصود أن البدعة بداية الطريق، ثم النهاية: الزيغ والضلال، وقال الله تعالى {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} وقال {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} ونحوها كثير.

وقال صلى الله عليه وسلم: “وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار”.[3]

وفي الأثر عن ابن مسعود حيما رأى قوما متحلقين في المسجد يَعُدُّون أذكارَ اللهِ تعالى من التسبيح والتحميد والتكبير لا بأناملهم على ثبت بالسنة[4]، وإنما بالحصى، قال لهم: ” إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحو باب ضلالة”. قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير. قال: “وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم. قال الراوي عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.[5]

فذكر الراوي أن غالب هؤلاء الذين تعبدوا على جهل وعلى خلاف السنة واستعملوا العقل والاستحسان في تعبدهم آل بهم الحال إلى أحد البدع الكبرى، بدعة الخوارج، فقاتلوا الصحابة يوم النهروان! وتأمل فقه ابن مسعود العميق رضي الله عنه فنزل حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج المارقة على هؤلاء الذين استصغروا التعبد بالبدعة في الأذكار.

فانظر -رحمك الله تعالى- كيف يستدرج الشيطان من يتعبد بعبادة خفية سهلة صغيرة في بداية الأمر إلى أن يخرجه عن الصراط المستقيم!

وما أحسن ما قال الإمام البربهاري رحمه الله: ” واحذر صغار المحدثات من الأمور؛ فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيرا، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة، كان أولها صغيرا يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع الخروج منها، فعظمت وصارت دينا يدان به فخالف الصراط المستقيم، فخرج من الإسلام.”[6]

ولهذا كان يقال: “البدعة بريد الكفر” يعني تأخذ بالمتعبد بالبدعة منها إلى ما هو أشد، ثم منها إلى ما هو أشد، ثم لا يزال هكذا دواليك حتى يخرج من الصراط المستقيم!

ومن هذا ما آل بكثير من أرباب التصوف إلى القول بوحدة الوجود، والاتحادية، والحلولية ونحوها من الزندقة والإلحاد!

وما آل بأرباب المقالات والكلام إلى إنكار علو الله تعالى على خلقه ورؤيته وكلامه واسوائه على عرشه!

وما آل بالقدرية من الغلو وجحود علم الله تعالى!

وما آل بالخوراج، حتى قال صلى الله عليه وسلم: “يمرقون من الإسلام”!

وذلك أن المذاهب البدعية قائمة على تقديم العقل على النقل، والرأي والهوى على النص، وهذا أساس كل مبتدع وكل بلية بدعية لاقتها الأمة، أشار إلى هذا غير واحد، كشيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله، يقول ابن القيم: وفساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل.”[7]

وما من بدعة حدثت إلا ولها تاريخ بدأت فيه؛ فبدءا بزمن الصحابة إلى عصرنا هذا، ولا تزال تتولد وتحدث، لا سقف لها طالما يسوقها ويشرعها العقل البشري لا الوحي النبوي والهدي السلفي؛ وهذا من أعظم الأدلة على بطلان هذه المذاهب: أنها مولدة حدثت بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وخالفت ما كان عليه الصحابة! كما جاء عن التابعي الجليل ميمون بن مهران حينما سئل عن بدعة الإرجاء: قال أنا أكبر منه! يعني دين وُلد بعد زمن الوحي حري بأن يكون بدعة ضلالة! ونحوه عن غيره من أجلة التابعين من أمثال سعيد بن جبير وأيوب السختياني والأعمش ونحوهم من الأئمة.

فعليك -بعد تأملك للنصوص المتقدمة- أن تتأمل أكثر فأكثر في واقعك، وواقع البدع من حولك! فمنا من تحوطه الجماعات الصوفية، ويرى بدعها ليلا نهارا! ومنا من يعيش بين مذاهب الرافضة! ومنا من يعيش تحت وطأة الخوارج من داعش ونحوها! ومنا من يعيش بين جماعة التبليغ الصوفية! والكثير لا يخلو من مقارعة ومزاولة ومعاينة ومعايشة للتنظيمات السياسية الإسلامية! فقارن واسأل وتأمل:

أين سينتهي الحال بالمناصرين لخوراج العصر من التنظيمات السياسية الإسلامية البدعية فضلا عن المنتسبين إليها؟!

وسنعقد بإذن الله تعالى مقالات لإيراد الأدلة على الفرقان بين سبيل الله وسبل الشيطان.

والحمد لله وحده.

وكتب علي بن عبد الحميد السالم.

29 جمادى الآخرة لسنة 1442 للهجرة.

الموافق 11 / 2 / 2021.


[1] متفق عليه.

[2] رواه أحمد (4142) وصححه الألباني.

[3] رواه أحمد 17144 وأبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه جمع، منهم الألباني رحمه الله في الإرواء 2455.

[4] روى أحمد (45/ 35) 27089 وأبو داود والترمذي وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” يا نساء المؤمنين، عليكن بالتهليل والتسبيح والتقديس، ولا تغفلن فتنسين الرحمة، واعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات “. وفي التسبيح بالحصى حديث رواه أبو داود (1500) لكنه ضعيف فيه راو لا يُعرف. كما ضعفه الألباني رحمه الله في مواضع.

[5] سنن الدارمي (1/ 287)

[6] شرح السنة للبربهاري، ص. 37.

[7] إعلام الموقعين (2/127)