جاءني في الرسائل:
السلام عليكم
شيخنا مارأيكم بالمناظرة التي ستحدث الليلة عن عقيدة النووي رحمه الله بين الحسن الحسيني ومحمد بن شمس الدين.
جوابا على السؤال:
الجواب من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول، يتعلق بعقيدة النووي رحمه الله،
الثاني، يتعلق بحكم المناظرة
الثالث يتعلق بشخصَي المتناظرَين.
أما النووي رحمه الله، فهو كغيره من علماء عصره، دخلوا في مذهب الأشعرية، إلا أن النووي رحمه الله لم يتوسع فيه، وإنما كان همه منصرفا إلى الحديث والفقه، وحولهما تدور جل كتبه التي بلغتنا. أما العقيدة، نعم وجد فيه تأويل على طريقة الأشعرية ولكن لربما كان أكثر كلامه في هذا الباب نقلا عن المازري والقاضي والجويني، ينقل ويلخص ولا يخوض في غوار المباحث الكلامية كما صنع غيره. ولهذا يوجد له كلام جيد في الجملة في الرسالة التي طبعت مؤخرا باسم “جزء فيه ذكر اعتقاد السلف في الحروف والأصوات” تحقيق أحمد الدمياطي. وقد تكلمت على هذا في “الرد المعلن” (ص. 56).
لكن الذي ينبغي أن نلفت نظر القارئ إليه، أن الذي أثار الكلام على أشعرية النووي ومثله ابن حجر، هو أبو عبد الله الحداد، فكانت دعوته قبل ربع قرن تقريبا تتمحور حول وجوب تصفية المكتبة الإسلامية من كتب النووي وابن حجر والسيوطي وابن أبي العز، وقد رد عليه علماؤنا جزاهم الله خيرا، أنكروا عليه وصفهم بالبدعة، واعتذروا عما وقع منهم، ورأوا أن تحريق كتبهم هدر لجهود عظيمة في خدمة السنة، ورأوا أن طريقة الحداد طريقة بدعية مخالفة لما عليه أهل السنة.
وهذا رابط لكلام الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله رحمةً واسعة بعنوان ” القول المستجاد في كشف مجازفات الحداد”:
والخلاصة، هذه طريقة الحدادية، خلفهم تبع لسلفهم محمود الحداد، أن يوصف النووي بالبدعة -فضلا عن الكفر-، وهذا شيء فيه مجازفة ظاهرة، ولم يقله أحد من العلماء الثقات، فيما بلغنا.
الوجه الثاني، الكلام على المتناظِرَين، أما الحسيني فأحد مشاهير وسائل الإعلام، دعوته تنضح بالإخوانية، وإن لم يدخل في غور مذهبهم تنظيرا وتأسيسا.
وهو أقدم من الثاني، محمد بن شمس الدين، ظهر مؤخرا عبر وسائل التواصل، وكلامه ينضح بالمجازفات، والاتهامات الفاجرة لمن يسميهم بالمداخلة، وله مناضلات عن سيد قطب، والقطبية من أمثال محمد المنجد وعبد العزيز الطريفي، ويطعن في المملكة العربية السعودية وفقها الله. وأكثر أتباعه ممن يطبل له ويزمر هم على شاكلته ممن فيهم غيظ وغل وحقد وحسد على ولاة أمور المسلمين، اغتروا بكلامه في العلم، والرد على الأشعرية، تماما كما اغتر من اغتر قبلهم بالحداد الضال.
والخلاصة كلا المتناظرين لا يُعبأ بهما، ولا يجوز الاستماع لهما، نسأل الله أن يكفي المسلمين شرورهما.
أما الوجه الثالث، فالمناظرة في الإسلام فيها تفصيل، أصلها قوله تعالى {وجادلهم بالتي هي أحسن} وقوله {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم} فلا يصار إليها ابتداء، كما ذكر أهل السنة في كتب العقيدة، يقول أبو قلابة يقول: ” لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم.” رواه الآجري في الشريعة (1/ 435) وذكر عن السلف آثارا كثيرة تدور على هذا المعنى في ” باب ذم الجدال والخصومات في الدين” فانظره، وانظر في السنة للخلال والإبانة الكبرى لابن بطة، وشرح اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي. يقول الإمام أحمد رحمه الله: أصول السنة عندنا .. وترك الخصومات .. وترك المراء والجدال والخصومات في الدين.
ويزيد الأمر شدة حينما يكون التناظر عَلَنا بمرآى من الناس، هذا يلقي شبهه ليسمعها الناس، وذاك يرد عليه، وكل يدفع حجة صاحبه بما أمكن، فهذا يجرح هذا بشبهة، فيكثر الكلِم والجراح، والضحية المستمع، الذي ربما علقت بقلبه الشبهة، وقد كان بعض أئمة السلف يأبى أن يسمع كلمة من صاحب بدعة، فكيف بعامة الناس، يسمعون الكلمة فتقر في قلوبهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والسائل كأنه يلمح إلى حكم سماع مناظرة هؤلاء، فأقول لو كان هؤلاء أهل سنة لكان جواز سماع مناظراتهم فيه نظر، فكيف بحال المتناظِرين وأنهما على غير طريق السنة.
والله المستعان.
وكتب،
علي السالم
7 محرم 1445 من الهجرة
الموافق 25-7-2023