نحن وللأسف في زمن يتعطش الكثير إلى تكفير المسلمين، خاصةً تكفير ذوي الجاه والسلطان والأموال العريضة، لماذا؟
ذكر غير واحد أن مرض الخوارج الأوائل هو الإخلال بالإيمان بالقدر؛ فلم يرضوا بما فضل الله بعض المسلمين على بعض، وزعموا أن الدين هو أن تتقسم الثروات تقسيما سويا بين المسلمين، وأطلق قديمهم قوله “اعدل” حتى تلقفها متأخرهم بمناداته “العدالة الاجتماعية”، وكانت في حقيقتها، دعوة للاشتراكية الكافرة!
فكان الداء الدفين في قلوب الخوارج قديما وحديثا هو الداء ذاته الذي وقع لإبليس عليه لعائن الله حينما أبى السجود لأبينا آدم عليه السلام: وهو داء الحسد!
المهم، التكفير -أيها الكرام- ليس فوضى، بل جاءت النصوص في الترهيب من الوقوع في تكفير المسلمين بغير حق، وأن رمي المسلم بالكفر إن لم يكن حقا عادت على الرامي.
كما قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
“إذا قال الرجلُ لأَخِيهِ: يا كافِرُ! فقد باءَ بِها أحدُهما، فإنْ كانَ كما قالَ، وإلا رجَعَتْ عليهِ”. أخرجاه من حديث ابن عمر، ونحوه عن أبي ذر، وفيه : أو قال: عدو الله، وهذا لفظ أعم من التكفير. ونحوه عند ابن حبان، وفيه: .. إن كان كافرا وإلا كفر بتكفيره.
ومن أهم ما يجب على من ابتلي بشيء من الحسد الذي يجره إلى تكفير المسلمين، أن يدرك أن الإسلام وضع أسسا دقيقة لصحة التكفير.
لكن، قبل أن أذكرها: لا بد من التنبيه على أن الحاجة إلى معرفة كفر المسلم محدودة جدا، مرتبطة بحاجة، كمن أراد معرفة حكم مال موروثه أو حكم دفنه في مقابر المسلمين والصلاة عليه، أو لعموم المسلمين لئلا يحكمهم كافر، وهذه الأخيرة هي محط البلاء والفتن في هذا الزمن، وحديثها ذو شجون.
المقصود: هذا كلام العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شروط التكفير، حينما سئل عن حكم الشيعة هل هم كفار أو لا؟ فأجاب بجواب مفصل مهم، كما في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (3/ 52).
وهذه الشروط قد ذكرناها مرارا ونقلنا أقوالا كثيرة للشيخ الألباني رحمه الله في العذر بالجهل، وترك التكفير “بالكوم” يعني بالجملة؛ وكانوا يرمونه رحمه الله بالعظائم ويبدعونهبما هو بريء منه، كالإرجاء ونحو ذلك من الكذب والافتراء؛ ولا تعجب فهذه طريقة الخوارج القدماء، يكفرون باعتقاد سني، نص على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وهذه المرة ننقل عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله الذي لا يتجرأ هؤلاء عليه بمثل تلك الجراءات على الألباني رحمه الله! تقيةً؟! ربما، ولا أستبعدها، كما يصنعون هذا بالشيخ صالح الفوزان حفظه الله اليوم، شأن أهل الأهواء!
المهم، إلى قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قال:
“ولا بد في التكفير من شروط أربعة:
الأول: ثبوت أن هذا القول، أو الفعل، أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب أو السنة.
الثاني: ثبوت قيامه بالمكلف.
الثالث: بلوغ الحجة.
الرابع: انتفاء مانع التكفير في حقه.”
ثم ذكر من موانع التكفير: الإكراه، والإغلاق.
ثم قال:
“فالواجب الحذر من إطلاق الكفر على طائفة أو شخص معين، حتى يعلم تحقق شروط التكفير في حقه، وانتفاء موانعه.
إذا تبين ذلك؛ فإن الشيعة فرق شتى ذكر السفاريني في شرح عقيدته أنهم اثنتان وعشرون فرقة، وعلى هذا يختلف الحكم فيهم بحسب بعدهم من السنة، فكل من كان عن السنة أبعد كان إلى الضلال أقرب.”
ثم ذكر بعض ما يثبت من العقائد الكفرية التي تشتمل عليه هذه المذاهب الفاسدة، وأنهم مع ذلك فرق شتى، تختلف درجات الكفر والضلال عندهم.
والمقصود، أن التكفير عند أهل السنة: معلق بالشروط المتقدمة.
وهذا التأصيل النظري يجب أن تضعه في واقع ما تراه، فإن كثيرا من هؤلاء يقع في جهل عميق، لا يدرك حقيقة ما عليه أصحابه من الكفر والضلال. نعم، قد يقع على عاتقه اللوم على تقصيره في طلب الحق ومعرفته، لكن لا بد من تحقق هذا الشرط الثالث مهما كان، وهو قيام الحجة، بمعنى انتفاء الجهل، وأدلة هذا يطول بذكرها المقال، والمقصود التنبيه لإخواننا الأعزاء ألا يقعوا بما يقعل فيه العامة والدهماء!
وكتب،
علي.
12 ذو الحجة 1444 هـ
وهذا مقطع آخر مهم للشيخ ابن عثيمين رحمه الله يبين أن ما هو عليه والألباني على خط واحد رحمهما الله”