المفترض بكل صاحب سنة أن يكون قد تأصل فيه الفرقان بين مذهب الحق ومذهب أهل البدع، خاصة الخوارج! فيعلم من صفاتهم -أعني الخوارج- ما جاء على لسان رسول الله ﷺ من ذمهم، ومنها أنهم سفهاء الأحلام!
ومن أعظم انحرافاتهم التي شهدت لهم النصوص، والتاريخ القديم والحديث، ومآسي الأمس القريب ما يتعلق بمفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!
فتجده “يريد أن يأمر وينهى إما بلسانه وإما بيده مطلقا؛ من غير فقه وحلم وصبر ونظر فيما يصلح من ذلك وما لا يصلح وما يقدر عليه وما لا يقدر” كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.[1]
إلى أن قال: “فيأتي بالأمر والنهي معتقدا أنه مطيع في ذلك لله ورسوله وهو معتد في حدوده كما انتصب كثير من أهل البدع والأهواء؛ كالخوارج والمعتزلة والرافضة؛ وغيرهم ممن غلط فيما أتاه من الأمر والنهي والجهاد على ذلك وكان فساده أعظم من صلاحه؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور الأئمة؛ ونهى عن قتالهم ما أقاموا الصلاة وقال: أدوا إليهم حقوقهم وسلوا الله حقوقكم.”
نعم، هذا حال سفهاء الأحلام، وأكثرهم: حدثاء الأسنان! وقد يوجد هذا وذاك، هنا وهناك، ممن شابت لحيته على البدعة، نسأل الله السلامة، ومنهم من يتوب، ومنهم من يبقى في قلبه شيء منها، مهما يأتيها من الهدى ” إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ..” كما قال ﷺ.
رعونة، وعصبية، جهل وجهالة، وروح غضبية انتقامية، ممزوج بتعصب صوفي مقيت، نسأل الله العافية والسلامة!
فعلاً “هَمَجٌ رعاعٌ أتباعُ كلِّ ناعق، يميلون مع كلِّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركنٍ وثيق.”
ومن بديع كلام ابن القيم رحمه الله في هذا الأثر قوله[2]: الهمج من الناس حمقاؤهم وجهلتهم..
إلى أن قال: وقوله اتباع كل ناعق أي من صاح بهم ودعاهم تبعوه سواء دعاهم الى هدى او الى ضلال فانهم لا علم لهم بالذي يدعون اليه احق هو ام باطل فهم مستجيبون لدعوته وهؤلاء من اضر الخلق على الاديان فإنهم الاكثرون عددا الاقلون عند الله قدرا وهم حطب كل فتنة بهم توقد ويشب ضرامها فإنها يهتز لها اولو الدين ويتولاها الهمج الرعاع وسمى داعيهم ناعقا تشبيها لهم بالانعام التي ينعق بها الراعي فتذهب معه اين ذهب قال تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاءا ونداءا صم بكم عمي فهم لا يعقلون وهذا الذي وصفهم به امير المؤمنين هو من عدم علمهم وظلمة قلوبهم فليس لهم نور ولا بصيره يفرقون بها بين الحق والباطل بل الكل عندهم سواء وقوله رضى الله عنه يميلون مع كل ريح وفي رواية مع كل صائح شبه عقولهم الضعيفة بالغصن الضعيف وشبه الاهوية والاراء بالرياح والغصن يميل مع الري حيث مالت وعقول هؤلاء تميل مع كل هوى وكل داع ولو كانت عقولا كاملة كانت كالشجرة الكبيرة التي لاتتلاعب بها الرياح..
إلى أن قال: وقوله رضى الله عنه لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا الى ركن وثيق بين السبب الذي جعلهم بتلك المثابة وهو انه لم يحصل لهم من العلم نور يفرقون به بين الحق والباطل كما قال تعالى [فذكر بعض الآيات في هذا منها] قوله {ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا} قال: فإذا عدم القلب هذا النور صار بمنزلة الحيران الذي لا يدري اين يذهب فهو لحيرته وجهله بطريق مقصوده يؤم كل صوت يسمعه ولم يسكن قلوبهم من العلم ما تمتنع به من دعاة الباطل فإن الحق متى استقر في القلب قوى به وامتنع مما يضره ويهلكه. انتهى كلامه النفيس!
[1] مجموع الفتاوى (28/ 128)
[2] مفتاح دار السعادة لابن القيم ط عالم الفوائد (1/ 358).